هناك بعض الأيديولوجيات الفكرية لديها هواجس قد تصل إلى حد الهوس والفوبيا من الأيديولوجيات الأخرى، فأحياناً تعاني الآيديولوجيات مخاوف من غلبة مبادئ فكرية مناوئة أو مضادة لها على الساحة الفكرية … ولكنها لا تصل إلى حد العداوة والتشويه المتعمد بلا أدلة ولا براهين دامغة على هذه الاتهامات …. وحتى لو وُجِدَ الدليل … فالحرية مكفولة للأفكار بشرذط عدم استخدام العنف أو الترهيب … ولعل الفكر اليساري يختلف في هذه النقطة عن الفكر العلماني … حيث نجد بعض العلمانيين لديهم هلاوس من غلبة أيديولوجية الدينيين على سبيل المثال وكذلك الدينيون يتوجسون من كل تحركات العلمانيين المضادة لأفكارهم … فيقوم كلٌّ منهم بتشويه الآخر عمداً … وكأنهم في حلبة مصارعة … والغلبة لمن يوجه الضربة القاضية للخصم ….
بينما الفكر اليساري بالرغم من ضعف قدراته في الانتشار بين أوساط المجتمعات العربية بصفةٍ عامة … والمجتمع المصري خاصةً … إلا أننا نجد أن أفكار اليسار المصري تتجه نحو المغامرة والزجّ بأفكارها في معترك الطريق … قد يكون لهذا الأمر مدلولٌ خاصٌّ … وهو أنهم على يقين أن أفكار المتصارعين في حلبة الصراع لا بد أن يشوبها الضعف والاهتزازات الكبرى بفعل التراسق والتلاسن والضربات الصريحة الموجهة من كلٍّ منهما للآخر … وبالتالي فاليسار المصري يعلم تماماً أن خوض غمار التجارب حتى نهايتها دون الزجِّ بنفسه في معتركات التلاسن والتجاذب قد تؤتي ثمارها لتطبيق مبادئه في المستقيل … حيث يحاول إشباع مبادئه بالقنص من المتصارعين أفضل مبادئهم. للوصول إلى المستقبل بآلياتٍ قادرةٍ على المواجهة … ولذلك – وحتى لا أكون متحيزاً لتوجهي الفكري – أرى لمحاتٍ مضيئة تشعُّ باتجاه غلبة الفكر اليساري قريباً عبر آلياتٍ يتم استحداثها بعد القدرة على تجديد الفكر المهترئ لليسار بفعل شبابٍ سيقودون مسيرة اليسار قريباً نحو الانتشار السريع داخل المجتمع المصري …. فاليسار المصري هو تيارٌ مسالمٌ … لا تشوبه شائبة عنفٍ عبر تاريخه الطويل منذ نشأته … ويسعى إلى الفكر التقدمي برؤية جديدة بعيداً عن صراعات السعي للسلطة … وإن كانت قريبة المنال … فالفكر اليساري هو فكرٌ تقدميٌّ يقوم على تأسيس قاعدة فلسفية توجه السلطة إلى ما تريد … وليس العكس كما في الأيديولوجيات الأخرى التي تسعى فيها السلطة إلى توجيه الفكر والأيديولوجية إلى ما تريد تأكيداً وتثبيتاً لمصالحها وليس لتقوية فكرها.